فصل: السنة الأولى من ولاية هارون بن خمارويه

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة **


 السنة الأولى من ولاية هارون بن خمارويه

وهي سنة أربع وثمانين ومائتين‏:‏ فيها كانت وقعة بين الأمير عيسى النوشري الآتي ذكره في أمراء مصر وبين بكر بن عبد العزيزبن أبي دلف وكان قد أظهر العصيان فهزمه النوشري بقرب أصبهان وآستباح عسكره‏.‏

وفيها ظهرت بمصر حمرة عظيمة في الجو حتى إنه كان الرجل إذا نظر في وجه الرجل يراه أحمر وكذا الحيطان فتضرع الناس بالدعاء إلى الله وكانت من العصر إلى الليل وفيها بعث عمرو بن الليث بألف ألف درهم لتنفق على إصلاح درب مكة من العراق قاله ابن جرير الطبري وفيها عزم المعتضد على لعن معاوية على المنابر فخوفه عبيد الله الوزير بآضطراب العامة فلم يلتفت وتقدم إلى العامة بلزوم أشغالهم وترك الاجتماع بالناس ومنع القصاص من القعود في الأماكن ثم منع من اجتماع الحلق في الجوامع وكتب المعتضد كتابا في ذلك واجتمع الناس يوم الجمعة بناء على أن الخطيب يقرؤه فما قرىء‏.‏

وفيها ظهر في دار الخليفة المعتضد شخص في يده سيف مسلول فقصده بعض الخدام فضربه بالسيف فجرحه واختفى في البستان فطلب فلم يوجد له أثر فعظم ذلك على المعتضد وآحترز على نفسه وساءت الظنون فيه فقيل هو من الجن وقيل غير ذلك وأقام الشخص يظهر مرارا ثم يختفي ولم يظهر خبره حتى مات المعتضد والمكتفي فإذا هو خادم كان يميل إلى بعض الجواري التي في الدور وكانت عادة المعتضد أنه من بلغ الحلم من الخدام منعه من الدخول إلى الحرم وكان خارج دور الحرم بستان كبير فآتخذ هذا الخادم لحية بيضاء وبقي تارة يظهر في صورة راهب وتارة يظهر بزي جندي بيده سيف وآتخذ عدة لحى مختلفة الهيئات والألوان فإذا ظهر خرجت الجارية مع الجواري لتراه فيخلو بها بين الشجر فإذا طلب دخل بين الشجر ونزع اللحية والبرنس ونحو ذلك وخبأها وترك السيف في يدى مسلولا كأنه من جملة الطالبين لذلك الشخص وبقي كذلك إلى أن ولي المقتدر الخلافة وأخرج الخادم إلى طرسوس فتحدثت الجارية بحديثه بعد ذلك وفيها في يوم الخميس رابع المحرم قدم رسول عمرو بن الليث الصفارعلى المعتضد برأس رافع بن هرثمة فخلع على الرسول ونصب الرأس في جا نبي بغداد‏.‏

وفيها وعد المنجمون الناس بغرق الأقاليم السبعة ويكون ذلك من كثرة الأمطار وزيادة المياه في العيون والآبار فآنقطع الغيث وغارت العيون وقلت المياه حتى احتاج الناس إلى أن آستسقوا ببغداد حتى أمطروا وكذب الله المنجمين وفيها حج بالناس محمد بن عبد الله بن ترنجة وفيها توفي أحمد بن المبارك أبوعمرو المستملي النيسابوري الزاهد العابد كان يسمى راهب عصره يصوم النهار ويقوم الليل وكانت وفاته بنيسابور في جمادى الآخرة الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة قال وفيها توفي إسحاق بن الحسن الحربي وأبو عمرو أحمد بن المبارك المستملي وأبوخالد عبد العزيز بن معاوية القرشي العتابي ومحمود بن الفرج الأصبهاني الزاهد وهشام بن علي السرافي ويزيد بن الهيثم أبو خالد البادي‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم أربع أذرع وست عشرة إصبعًا مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعًا ونصف إصبع‏.‏

السنة الثانية من ولاية هارون وهي سنة خمس وثمانين ومائتين‏:‏ فيها في يوم الأربعاء لآثنتي عشرة ليلة بقيت من المحرم قطع صالح بن محرك الطائي الطريق في جماعة من طيء على الحخاج بالأجفرم فأخذوا من الأموال والمماليك والنساء ما قيمته ألف ألف دينار‏.‏

وفيها ولى المعتضد ابن أبي الساج أرمينية وأذربيجان وكان قد غلب عليهما وفيها غزا راغب الخادم مولى الموفق بلاد الروم في البحر فأظفره الله بمراكب كبيرة وفتح حصونا كثيرة‏.‏

وفيها حج بالناس محمد بن عبد الله بن ترنجة وفيها في شهر ربيع الأول هبت ريح صفراء بالبصرة ثم صارت خضراء ثم سوداء وآمتدت في الأمصار ثم وقع عقيبها مطر وبرد وزن البردة مائة وخمسون درهما وقطعت الريح نحو ستمائة نخلة ومطرت قرية من القرى حجارة سوداء وبيضاء‏.‏

وفيها في ذي الحجة منها قدم الأمير علي ابن الخليفة المعتضد بالله بغداد وكان قد جهزه أبوه لقتال محمد بن زيد العلوي فدفع محمد بن زيد عن الجبال وتحيز إلى طبرستان ففرح بها أبوه المعتضد وقال‏:‏ بعثناك ولدًا فرجعت أخا ثم أعطاه ألف ألف دينار وفي ذي الحجة أيضًا خرج الخليفة المعتضد وآبنه علي يريد آمد لما بلغه موت أحمد بن عيسى بن الشيخ بعد أن صلى آبنه علي المذكور بالناس يوم الأضحى ببغداد وركب كما يركب ولاة العهود وفيها توفي إبراهيم بن إسحاق بن إبراهيم بن بشيربن عبد الله أبوإسحاق المروزي الحربي كان إماما عالما فاضلا زاهدا مصنفا كان يقاس بالإمام أحمد بن حنبل في علمه وزهده وفيها توفي الأمير أحمد بن عيسى بن الشيخ صاحب آمد وديار بكر كان ولاه إياهما المعتز فلما قتل المعتز آستولى عليهما إلى أن مات في هذه السنة فاستولى عليهما آبنه محمد فسار المعتضد فأخذهما منه وآستعمل عليهما نوابه وفيها توفي إمام النحاة المبرد واسمه محمد بن يزيد بن عبد الأكبر بن عمير بن حسان بن سليمان الإمام العلامة أبو العباس البصري الأزدي المعروف بالمبرد انتهت إليه رياسة النحو واللغة بالبصرة ولد سنة ست ومائتين وقيل‏:‏ سنة عشر ومائتين وكان المبرد وأبو العباس أحمد بن يحيى الملقب بثعلب صاحب كتاب ‏"‏ الفصيح ‏"‏ عالمين متعاصرين وفيهما يقول أبو بكربن أبي الأزهر المتقارب أيا طالب العلم لا تجهلن وعذ بالمبرد أو ثعلب تجد عند هذين علم الورى فلا تك كالجمل الأجرب علوم الخلائق مقرونة بهذين في الشرق والمغرب وكان المبرد يحب الاجتماع والمناظرة بثعلب وثعلب يكره ذلك ويمتنع منه‏.‏

ومن شعر المبرد‏:‏ يا من تلبس أثوابًا يتيه بها تيه الملوك على بعض المساكين ما غير الجل أخلاق الحمار ولا نقش البرادع أخلاق البراذين الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة قال‏:‏ وفيها توفي إبراهيم الحربي وإسحاق بن إبراهيم الدبري وعبيد الله بن عبد الواحد بن شريك وأبو العباس محمد بن يزيد المبرد‏.‏

أمر النيل في هذه السنة الماء القديم سبع أذرع وست عشرة إصبعا مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعًا وتسع عشرة إصبعًا‏.‏

على مصر وهي سنة ست وثمانين ومائتين‏:‏ فيها أرسل هارون بن خمارويه صاحب الترجمة إلى الخليفة المعتضد يعلمه أنه نزل عن أعمال قنسرين والعواصم وأنه يحمل إلى المعتضد في كل سنة أربعمائة ألف دينار وخمسين ألف دينار وسأله تجديد الولاية له على مصر والشأم فأجابه المعتضد إلى ذلك وكتب تقليدا بهما وفيها في شهر ربيع الآخر نازل المعتضد آمد وبها محمد بن أحمد بن عيسى بن الشيخ فحاصرها أربعين يوما حتى ضعف محمد وطلب الأمان لنفسه وأهل البلد فأجابه إلى ذلك فخرج إليه محمد ومعه أصحابه وأولياؤه فوصلوا إلى المعتضد فخلع عليه المعتضد‏.‏

وفيها قبض المعتضد على راغدب الخادم أمير طرسوس وآستأصل أمواله فمات بعد أيام‏.‏

وفيها التقى جيش عمرو بن الليث الصفار وإسماعيل بن أحمد بن أسد الساماني بما وراء النهر فانكسر أصحاب عمرو ثم التقى هووعمرو ثانيا على بلخ وكان أهل بلخ قد ملوا عمرا وأصحابه وضجروا في نزولهم في دورهم وأخذهم أموالهم فساعد أهل بلخ إسماعيل فآنكسر عمرو وانهزم إلى بلخ فوجد أبوابها مغلقة ثم فتحوا له ولجماعة معه فلما دخل وثب عليه أهل بلخ فأوثقوه وحملوه إلى إسماعيل فأكرمه إسماعيل ثم بعث به إلى المعتضد فخلع المعتضد على إسماعيل خلعة السلطنة وأدخل عمرو بغداد على جمل ليشهروه بها ثم حبسه المعتضد في مطمورة فكان يقول‏:‏ لوأردت أن أعمل على جيحون جسرا من في ذهب لفعلت وكان مطبخي يحمل على ستمائة جمل وأركب في مائة ألف أصارني الدهر إلى القيد والذل وقيل‏:‏ إنه خنق قبل موت المعتضد بيسير وفيها ظهر بالبحرين أبو سعيد الجنابي القرمطي في أول السنة وفي وسطها قويت شوكته وانضم إليه طائفة من الأعراب فقتل أهل تلك القرى وقصد البصرة فبنى عليها المعتضد سورا وكان أبو سعيد هذا كيالا بالبصرة وجنابة من قرى الأهواز وقيل‏:‏ من قرى البحرين قلت‏:‏ وهذا أول من ظهر من القرامطة الآتي ذكرهم في هذا الكتاب في عدة مواطن وهذا القرمطي هو الذي قتل الحجيج واقتلع الحجر الأسود حسبما يأتي ذكره وفيها حضر مجلس القاضي موسى بن إسحاق قاضي الري وكيل آمرأه آدعى على زوجها صداقها بخمسمائة دينار فأنكر الزوج فقال القاضي‏:‏ البينة فأحضرها الوكيل في الوقت فقالوا‏:‏ لابد أن ننظر المرأة وهي مسفرة لتصح عندهم معرفتها فتتحقق الشهاده فقال الزوج ولا بد فقالوا‏:‏ ولا بد فقال الزوج‏:‏ أيها القاضي عندي الخمسمائة دينار ولا ينظر هؤلاء إلى امرأتي فأخبرت بما كان من زوجها فقالت المرأة‏:‏ إني أشهد القاضي أنني قد وهبت له ذلك وأبرأته منه في الدنيا والآخرة فقال القاضي‏:‏ تكتب هذه الواقعة في مكارم الأخلاق‏.‏

وفيها توفي إسماعيل بن إسحاق بن إبراهيم بن مهران أبو بكر السراج النيسابوري مولى ثقيف سمع الإمام أحمد وصحبه‏.‏

وفيها توفي الحسين بن سيار أبو علي البغدادي الخياط كان إمامًا عارفا بتعبير الرؤيا وكانت وفاته في صفر أسند عن أبي بلال الأشعري وغيره وروى عنه جماعة كثيرة‏.‏

وفيها توفي محمد بن يونس بن موسى بن سليمان بن عبيدبن ربيعة بن كديم أبو العباس الكديمي القرشي البصري حج أربعين حجة وكان حافظا متقنا ورعا مات ببغداد في نصف جمادى الآخرة‏.‏

الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة قال‏:‏ وفيها توفي أحمد بن سلمة النيسابوري الحافظ وأحمد بن علي الخزاز وأبو سعيد الخراز شيخ الصوفية وأحمد بن المعلى بن يزيد أبو بكر الأسدي القاضي الدمشقي وإبراهيم بن سويد الشامي وإبراهيم بن محمد بن برة الصنعاني والحسن بن عبد الأعلى البوسي أحد أصحاب عبد الرزاق وعبد الرحيم بن عبد الله البرقي وعلي بن عبدالعزيز البغوي ومحمد بن وضاح القرطبي ومحمد بن يوسف البناء الزاهد ومحمد بن يونس الكديمي وأبوعبادة البحتري الشاعر‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم سبع ا ذرع وخمس عشرة إصبعًا‏.‏

مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعًا وثماني أصابع‏.‏

السنة الرابعة من ولاية هارون فيها في المحرم واقع صالح بن مدرك كبير عرب طيىء الحاج العراقي كما فعل بهم في العام الماضي وكان في ثلاثة آلاف من عرب طيىء وغيرهم ما بين فارس وراجل وكان أمير الحاج أبا الأغر فأقاموا يقاتلونهم يوما وليلة حتى هزم صالح بن مدرك وقتل معه أعيان طيىء ودخل الركب بغداد بالرؤوس على الرماح و با لا سرى‏.‏

وفيها عظم أمر القرامطة وأغاروا على البصرة ونواحيها فسار لحربهم العباس بن عمرو الغنوي فالتقوا فأسر الغنوي وقتل خلق من جنده ثم إن أبا سعيد القرمطي أطلقه وقال له‏:‏ بلغ المعتضد عني رسالة ومضمونها‏:‏ أنه يكف عنه ويحفظ حرمته وقال‏:‏ فأنا قنعت بالبرية فلايتعرض لي وفيها مات صاحب طبرستان محمد بن زيد العلوي‏.‏

وفيها أوقع بدر غلام الطائي بالقرامطة على غرة فقتل منهم مقتلة عظيمة ثم تركهم خوفًا على السواد‏.‏

وفيها حج بالناس محمد بن عبد الله بن ترنجة‏.‏

وفيها توفي أحمد بن عمرو بن بي عاصم الضحاك القاضي أبو بكر الشيباني الفقيه المحدث وابن محدث ولي القضاء بأصبهان وصنف علوم الحديث وكان عالمًا بارعًا‏.‏

وفيها توفي يعقوب بن يوسف بن أيوب الشيخ أبو بكر المطوعي الزاهد العابد وعنه قال‏:‏ كان وردي في شبيبتي كل يوم وليلة أربعين ألف مرة قل هو الله أحد الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة قال‏:‏ وفيها توفي أحمد بن إسحاق بن إبراهيم بن نبيط وأبو بكر أحمد بن عمرو بن أبي عاصم أبو علي في أشهر ربيع الآخر وله نيف وثمانون سنة ومحمد بن عمرو الحوشي وموسى بن الحسن الجلاجلي وأبوسعد يحيى بن منصور الهروي‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم سبع أذرع وخمس وعشرون إصبعًا مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعًا وعشر أصابع‏.‏

السنة الخامسة من ولاية هارون وهي سنة ثمان وثمانين ومائتين‏:‏ فيها وقع وباء بأذربيجان فمات فيه خلق كثير وفقدت الأكفان فكفن الناس في الأكسية واللبود ثم فقدت وفقد من يدفن الموتى فكانوا يطرحون على الطريق ثم وقع الطاعون في أصحاب محمد بن أبي الساج فمات لمحمد مائتا ولد وغلام ثم مات محمد بن أبي الساج المذكور بمدينة أذربيجان وكان يلقب بالأفشين فآجتمع غلمانه وأمروا عليهم آبنه ديوداد فاعتزلهم أخوه يوسف بن أبي الساج وهو مخالف لهم‏.‏

وفيها حج بالناس هارون بن محمد بن العباس بن إبراهيم بن عيسى بن أبي جعفر المنصور‏.‏

وفيها كانت زلزلة‏.‏

قال أبو الفرج بن الجوزي ورد الخبر بأنه مات تحت الهدم في يوم واحد أكثر من ثلاثين ألف إنسان ودام عليهم هذا أياما فبلغ من هلك خمسين ومائة ألف وقيل‏:‏ كان ذلك في العام الماضي وفيها قدم المعتضد العراق ومعه وصيف خا دم محمد بن أبي الساج وكان قد عصى عليه بالثغور فأسره وأدخل على جمل ثم توفي بالسجن بعد أيام فصلبت جثته على الجسر‏.‏

وفيها ظهر أبو عبد الله الشيعي بالمغرب ونزل بكتامة ودعاهم إلى المهدي عبيد الله أعني بعبيد الله جد الخلفاء الفاطمية‏.‏

وفيها توفي ثابت بن قرة العلامة أبو الحسن المهندس صاحب التصانيف في الفلسفة والهندسة والطب وغيره كان فاضلًا بارعًا في علوم كثيرة ومولى في سنة إحدى و عشرين ومائتين‏.‏

الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة قال‏:‏ وفيها توفي إسحاق بن إسماعيل الرملي بأصبهان وبشر بن موسى الأسدي وجعفر بن محمد بن سوار الحافظ وأبو القاسم عثمان بن سعيد بن بشار الأنماطي شيخ آبن سريج ومعاذ بن المثنى العنبري وخلق سواهم‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم ست أذرع سواء‏.‏

مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعًا وأربع أصابع‏.‏

السنة السادسسة من ولاية هارون فيها فاض البحر على الساحل فأخرب البلاد والحصون التي عليه وفيها في شهر ربيع الآخر آعتل الخليفة المعتضد بالله علة صعبة وهي العلة التي مات بها فقال عبد الله بن المعتز في ذلك‏:‏ طار قلبي بجناح الوجيب جزعًا من حادثات الخطوب وحذارًا أن يشاك بسوء أسد الملك وسيف الحروب ثم آنتكس ومات في الشهر وتخلف بعده ولده المكتفي بالله أبو محمد علي‏.‏

وليس في الخلفاء من آسمه علي غير علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهذا وفيها في شهر رجب زلزلت بغداد زلزلة عظيمة دامت أيامًا‏.‏

وفيها هبت ريح عظيمة بالبصرة قلعت عامة نخلها ولم يسمع بمثل ذلك‏.‏

وفيها انتشرت القرامطة بسواد الكوفة وكان رئيسهم يقال له ابن أبي الفوارس فظفر به عسكر المعتضد أعني قبل موت المعتضد فحمل هو وجماعة معه إلى بغداد فعذبوا بأنواع العذاب ثم صلبوا وأحرقوا وأما كبيرهم ‏"‏ أبن أبي الفوارس المذكور فقلعت أضراسه ثم شد في إحدى يديه بكرة وفي الأخرى صخرة ورفعت البكرة ثم لم يزل على حاله إلى وقت الظهر ثم قطعت يداه ورجلاه وضربت عنقه وفيها حج بالناس الفضل بن عبد الملك بن عبد الله العباسي وفيها توفي الخليفة أمير المؤمنين المعتضد بالله أبو العباس أحمد ابن الأمير ولي العهد أبي أحمد طلحة الموفق ابن الخليفة المتوكل على الله جعفر ابن الخليفة المعتصم بالله محمد ابن الخليفة الرشيد بالله هارون ابن الخليفة المهدي محمد ابن الخليفة أبي جعفر المنصور عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس الهاشمي العباسي البغدادي ومولى في سنة اثنتين وأربعين ومائتين في ذي القعدة في أيام جده المتوكل وآستخلف بعده عنه المعتمد أحمد في شهر رجب سنة تسع وسبعين ومائتين‏.‏

قال إبراهيم بن محمد بن عرفة‏:‏ وتوفي المعتضد في يوم الاثنين لثمان بقين من شهر ربيع الأخر سنة تسع وثمانين ومائتين ودفن في حجرة الرخام وصلى عليه يوسف بن يعقوب القاضي وكانت خلافته تسع سنين وتسعة أشهر ونصفا قلت‏:‏ وبويع بالخلافة بعده ولده علي بعهد منه ولقب بالمكتفي وكان المعتضد شجاعًا مهيبًا أسمر نحيفا معتدل الخلق ظاهر الجبروت وافر العقل شديد الوطأة من أفراد خلفاء بني العباس وشجعانهم كاد يتقدم على الأسد وحده لشجاعته‏.‏

وقال المسعودي‏:‏ كان المعتضد قليل الرحمة قيل‏:‏ إنه كان إذا غضب على قائد أمر أن تحفر له حفيرة ويلقى فيها وتطم عليه قال‏:‏ شكوا في موت المعتضد فتقدم الطبيب فجس نبضه ففتح عينه ورفس الطبيب برجله فدحاه أذرعا فمات الطبيب ثم مات المعتضد أيضًا من ساعته هكذا نقل المسعودي ورثا الأمير عبد الله بن المعتز العباسي فقال البسيط يا ساكن القبر في غبراء مظلمة بالظاهرية مقصى الدار منفردًا أين السرير الذي قد كنت تملؤه مهابة من رأته عينه آرتعدا أين الأعادي الألى ذللت مصعبهم أين الليوث التي صيرتها بعدا أين الجياد التي حجلتها بدم وكن يحملن منك الضيغم الأسدا أين الرماح التي غذيتها مهجًا مذ مت ما وردت قلبًا ولا كبدا أين الجنان التي تجري جداولها وتستجيب إليها الطائر الغردا أين الوصائف كالغزلان رائحة يسحبن من حلل موشية جددا أين الملاهي وأين الراح تحسبها ياقوتة كسيت من فضة زردا أين الوثوب إلى الأعداء مبتغيًا صلاح ملك بني العباس إذ فسدا ما زلت تقسر منهم كل قسورة وتخبط العالي الجبار معتمدا ثم آنقضيت فلا عين ولا أثر حتى كأنك يومًا لم تكن أحدا وفيها خرج يحيى بن زكرويه بن مهرويه داعية قرمط وجمع جموعا كثيرة من الأعراب وكانت بينه وبين طغج بن جف نائب هارون بن خمارويه على الشام وقعات عديدة تقدم ذكر ذلك كله في أول ترجمة هارون المذكور‏.‏

يديه ما خلا وزيره القاسم بن عبيد الله فإنه ركب وسايره دون الناس ولم ير قبل ذلك خليفة يسايره وزيرغيره قلت وهذا أول وهن وقع في حق الخلفاءوأنا أقول إن المعتضد هوآخر خليفة عقد ناموس الخلافة ثم من بعده أخذ أمرالخلفاء في إدبار إلى يومنا هذا وفيها توفي بدر المعتضدي كان يخدم المعتضد والموفق وأباه المتوكل وأصله من غلمان المتوكل فرفعته السعادة قال يحيى بن علي النديم كنت واقفا على رأس المعتضد وهومقطب فدخل بدر فأسفروجهه لما رآه وضحك ثم قال لي يا يحيى من القائل‏:‏ في وجهه شافع يمحو إساءته من القلوب وجيه حيثما شفعا فقلت‏:‏ الحكم بن قنبر المازني فقال‏:‏ أنشدني تمامه فأنشدته‏:‏ ويلي على من أطار النوم فآمتنعا وزاد قلبي على أوجاعه وجعا كأنما الشمس من أعطافه لمعت حسنًا أو البدر من أزراره طلعا مستقبل بالذي يهوى وإن كثرت منه الذنوب ومعذور بما صنعا في وجهه شافع يمحو إساءته من القلوب وجيه حيثما شفعا وكان بدرهذا شجاعا ممدحا جواد أمر النيل في هذه السنة الماء القديم سبع أذرع سواء مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعًا وست السنة السابعة من ولاية هارون وهي سنة تسعين ومائتين‏:‏ فيها في المحرم قصد يحيى بن زكرويه القرمطي الرقة في جمع كثير فخرج إليه أصحاب السلطان فقتل منهم جماعة وآنهزم الباقون فبعث طغج بن جف أمير دمشق من قبل هارون بن خمارويه صاحب الترجمة جيشًا مع خادمه بشير إلى القرمطي فواقعهم القرمطي وقتل بشيرًا وهزم الجيش‏.‏

وفيها أيضًا خلع الخليفة المكتفي على أبي الاغر وبعثه في عشرة آلاف لقتال القرمطي وفيها حصر القرمطي دمشق وفيها أميرها طغج بن جف فعجز طغج عن مقاومته بعد أن واقعه غير مرة وقتل يحيى بن زكرويه كبيرالقرامطة فأقاموا عليهم أخاه الحسين بن زكرويه وبلغ المكتفي ذلك فآستحث العساكر المندوبة لقتال القرامطة بالخروج لقتالهم فتوجه إليهم أبو الأغر وواقع القرامطة فآنهزم أبو الأغر وقتل غالب أصحابه وتبعه القرمطي إلى حلب فقاتله أهل حلب وفيها توفي عبد الله ابن الإمام أحمد بن محمد بن حنبل أبو عبد الرحمن الشيباني مولده سنة ثلاث عشرة ومائتين ولم يكن في الدنيا أحد أروى عن أبيه منه وسمع منه المسند وهوثلاثون ألف حديث والتفسير مائة وعشرين ألفًا والناسخ والمنسوخ والمقدم والمؤخر في كتاب الله وجوابات القرآن والمناسك الكبير والصغير وكان عالمًا بفنون كثيرة وكان أبوه يقول‏:‏ لقد وعى عبد الله علمًا كثيرًا وفيها توفي عبد الله بن أحمد بن أفلح بن عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق أبو محمد القاضي البكري كان إمامًا عالمًا بارعًا وفيها توفي محمد بن عبد الله الشيخ أبو بكر الدقاق كان من كبار مشايخ القوم وكان صاحب أقوال وكرامات‏.‏

الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة قال وفيها توفي أحمد بن علي الأبار والحسن بن سهل المجوز والحسين بن إسحاق التستري وعبد الله بن أحمد بن محمد بن حنبل ومحمد بن زكريا الغلابي الإخباري ومحمد بن العباس المؤدب ومحمد بن يحيى بن المنذرالقزاز أحد شيوخ الطبراني‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم ست أذرع وثلاث وعشرون إصبعًا‏.‏

مبلغ الزيادة ثلاث عشرة ذراعا وأربع أصابع‏.‏

السنة الثامنة من ولاية هارون وهي سنة إحدى وتسعين ومائتين‏:‏ فيها قتل الحسين بن زكرويه القرمطي المعروف بصاحب الشامة وفيها زوج المكتفي ولده أبا أحمد بابنة وزيره القاسم بن عبيد الله وخطب أبو عمر القاضي وخلع على القاسم أربعمائة خلعة وكان الصداق مائة ألف دينار وفيها خرجت الترك إلى بلاد المسلمين في جيوش عظيمة يقال كان معهم سبعمائة خركاة تركية ولا تكون الخركاة إلا لأمير فنادى إسماعيل بن أحمد في خراسان وسجستان وطبرستان بالنفير وجهز جيوشه فوافوا الترك على غرة سحرا فقتلوا منهم مقتلة عظيمة وانهزم من بقي وغنم المسلمون وسلموا وعادوا منصورين وفيها بعث صاحب الروم جيشا مبلغه مائة ألف فوصلوا إلى الحدث فنهبوا وسبوا وأحرقوا وفيها غزا غلام زرافة من طرسوس إلى الروم فوصل إلى أنطاكية‏.‏

وهي تعادل قسطنطينية فنازلها إلى أن آفتتحهاعنوة وقتل نحوا من خمسة آلاف وأسر أضعافهم وأستنقذ من الأسر أربعة الاف مسلم وغنم من الأموال ما لا يحصى بحيث إنه أصاب سهم الفارس ألف دينار‏.‏

وفيها خلع المكتفي على محمد بن سليمان الكاتب وعلى محمد بن إسحاق بن كنداج وعلى أبي الأغر وعلى جماعة من القواد وأمرهم بالسمع والطاعة لمحمد بن سليمان المذكور وندب الجميع بالمسير إلى دمشق لقبض ما كان بيد هارون بن خمارويه صاحب الترجمة من الأعمال لأنه كانت الوحشة قد وقعت بينهما وفيها حج بالناس الفضل بن عبد الملك الهاشمي العباسي وفيها توفي إبراهيم بن أحمد بن إسماعيل الشيخ أبو إسحاق الخواص البغدادي كان أوحد أهل زمانه في التوكل صحب أبا عبد الله المغربي وكان من أقران الجنيد وله في الرياضات والسياحات مقامات وفيها توفي أحمد بن يحيى بن زيد بن سيار أبوالعباس الشيباني مولاهم ثعلب النحوي إمام أهل الكوفة مولده في سنة مائتين وفيها توفي الوزير القاسم بن عبيد الله وزيرالمعتضد والمكتفي كان شاباغرا قليل الخبرة بالأمور مستهتكا للمحارم وإنما آستوزره المكتفي لأنه أخذ له البيعة وحفظ عليه الأموال وفيها توفي هارون بن موسى بن شريك أبو عبد الله الثعلبي الأخفش الشامي النحوي اللغوي ولد سنة مائتين سمع هشام بن عمار وطبقته وكأن إماما في فنون كثيرة بارعًا مفننا ولما مات جلس مكانه محمد بن نصير بن أبي حمزة وهذا هوالأخفش الشامي وأما الأخفش البصري فآسمه سعيد بن مسعدة قلت‏:‏ وثم أخفش ثالث وفاته سنة خمس عشرة وثلاثمائة الذين ذكرالذهبي وفاتهم في هذه السنة قال وفيها توفي أبو العباس ثعلب واسمه أحمد بن يحيى في جمادى الأولى وله إحدى وتسعون سنة وهارون بن موسى بن شريك الأخفش المقرىء وعبد الرحمن بن محمد بن مسلم الرازي ومحمد بن أحمد بن النضر آبن بنت معاوية ومحمد بن إبراهيم البوشنجي الفقيه ومحمد بن علي الصائغ المكي أمر النيل في هذه السنة الماء القديم أربع أذرع وإحدى وعشرون إصبعا مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعاوإصبع واحدة ونصف إصبع هو شيبان بن أحمد بن طولون الأمير أبو المقانب التركي المصري ولي إمرة مصر بعد قتل آبن أخيه هارون بن خمارويه لإحدىعشرة بقيت من صفر سنة اثنتين وتسعين مائتين قال صاحب البغية ولما تم أمره أقر شيبان المذكور موسى بن طونيق على شرطة مصروخرج من الفسطاط ليلة الخميس لليلة خلت من أشهر ربيع الأول سنة آثنتين وتسعين ومائتين فكانت ولايته آثني عشر يومًا انتهى قلت ونذكر أمر شيبان هذا بأوسع مما ذكره صاحب البغية فنقول ولما قتل هارون بن خمارويه ورجع الناس إلى مصر وهم بغير أمير نهض شيبان هذا ودعا لنفسه وضمن لهم حسن القيام بأمر الدولة والإحسان إليهم فبايعه الناس وهو لا يدري بأن الدولة الطولونية قد انتهى أمرها وما أحسن قول من قال في هذا المعنى‏:‏ أصبحت تطلب أمرًا عز مطلبه هيهات صاع زجاج ليس ينجبر وقام شيبان بالأمر ودخل المدينة وطاف بها حتى وصل إلى الموضع المعروف بمسجد الرمح فصدم الرمح الذي فيه لواؤه سقف المرب فانكسر فتطير الناس من ذلك وقالوا أمر لا يتم وقيل إن شيبان المذكور كان أسر في نفسه قتل آبن أخيه هارون المقدم ذكره فتهيأ لذلك فى واطأ عليه بعض خاصة هارون فكان شيبان ينتظر الفرصة وبينما شيبان على ذلك إذ صار إليه بعض الخدم الذين واطأهم على أمر هارون وبايعوه على قتله وأعلموه أن هارون قد غط في نومه من شدة السكر وأنه لم ير في مثل حالته تلك قط من شدة السكرالذي به وقالوا له إن أردت شيئا فقد أمكنك ما تريد فقام شيبان ودخل من وقته على ابن أخيه هارون بن خمارويه فوافاه في مرقده غاطًا مثقلًا من سكره فذبحه بسكين كان معه في مرقمه بالعباسة وكان ذلك في ليلة الأحد لإحدى عشرة ليلة بقيت من صفر سنة اثنتين وتسعين ومائتين وعرف الناس بقتله في غد ليلته وآستولى شيبان على الملك كما ذكرناه وبويع في يوم الاثنين لعشر ليال بقين من صفر من السنة المذكورة وعلم أبو جعفر بن أبى ونجيح الرومي القائد ما كان من أمر هارون وقتله فرحلا من موضعهما من العباسة مع نفر من خاصة أصحابهما وتركا بقية عسكرهما ولحقا بعسكر طغج بن جص الني كان نائب دمشق وقد وصل محمد بن سليمان الكاتب وفائق ويمن وغيرهم من موالي خمارويه وأخبروهم بذلك ثم جاءهم الخبر بأن الحسين بن حمدان قد دخل الفرما يريد جرجير وكانوا بها فرحلوا بعساكرهم حتى نزلوا العباسة وذلك بعد رحيل شيبان بن أحمد بن طولون المذكور عنها إلى مدينة مصر‏.‏

وأما شيبان فإنه لما دخل مصر مع جميع إخوته وبني عمه والعسكر الذي كان بقي من عسكر آبن أخيه هارون تهيأ لقتال القوم وكان شيبان أهوج جسورآ جسيما جلدا شديد البدن في عنفوان شبابه فصار يسرع في أموره وذلك بعد أن تم أمره وخطب له يوم الجمعة على سائرمنابرمصر ثم أخذ في العطاء للجند فلم يجد من المال سعة فقلق فسعى إليه ساع بأن أم هارون المقتول أودعت ودائع لها في بعض الدورالتي للتجار بمدينة الفسطاط أعني مصر فوجه شيبان بأبي جيشون أحد إخوته إلى هذه الدورحتى آستخرج منها خبايا كانت لأم هارون وحمل ذلك إلى أخيه شيبان في أعدال محزومة لايدرى مافيها وآنتهى الخبر إلى الحسين بن حمدان بأن هارون صاحب مصر قد قتل وكان على مقدمة عسكر محمد بن سليمان الكاتب وهوبجرجيرفرحل عنها يريد العباسة فلقيه في طريقه محمد بن أبى مع جميع الرؤساء الذين كانوا معه فصار الحسين في عسكر كبير وبلغ ذلك أيضًا محمد بن سليمان الكاتب فحث في مسيره حتى لحق بمقدمة الحسين بن حمدان المذكور وقد آنضاف إليه غالب عسكر مصر الذي وصل مع أبي جعفر بن أبى وغيره وعندما آجتمع الجميع وصل إليهم أيضًا دميانة البحري في ثمانية عشر مركبًا حربيًا مشحونة بالرجال والسلاح وذلك في يوم الثلاثاء ثامن عشرين صفر فضرب جسر مصر الشرقي بالنار وأحرقه عن آخره وأحرق بعض الجسر الغربي ثم وافى محمد بن سليمان الكاتب بعسكره حتى نزل بباب مصر فضرب خيامه بها في يوبم الأربعاء تاسع عشرين صفر كل ذلك في سنة آثنتين وتسعين ومائتين ولما بلغ ذلك شيبان خرج بعساكره من مدينة مصر وقد آجتمع معه من الفرسان والرجالة عدة كثيرة ووقف بهم لممانعة محمد بن سليمان من دخول المدينة وعبأ أيضًا محمد بن سليمان عسكره للمصاف لمحاربة شيبان والتقى الجمعان وكانت بينهم مناوشة ساعة ثم كتب محمد بن سليمان إلى شيبان والحرب قائمة يؤمنه على نفسه وجميع أهله وماله وولده وإخوته وبني عمه جميعا ونظر شيبان عند وصول الكتاب إليه قلة من معه من الرجال وكثرة جيوش محمد بن سليمان مع ماظن من وفاء محمد بن سليمان له فاستأمن إلى محمد بن سليمان وجمع إخوته وبني عمه في الليل وتوجهوا إلى محمد بن سليمان وصاروا في قبضته ومصاف شيبان على حاله لكن الفرسان علموا بما فعل شيبان فكفوا عن القتال وبقيت الرجالة على مصافها ولم تعلم بما أحدثه شيبان وأصبحت الرجالة غداة يوم الخميس وليس معهم حام ولارئيس فالتقوا مع عسكر محمد بن سليمان فآنكسروا وانكبت خيل محمد بن سليمان على الرجالة فأزالتهم عن مواقفهم ثم انحرفت الفرسان إلى قطائع السودان الطولونية وصاروا يأخذون من قدرواعليه منهم فيصيرون بهم إلى محمد بن سليمان وهوراكب على فرسه في مصافه فيأمر بذبحهم فيذبحون بين يديه كما تذبح الشاة‏.‏

ثم دخل محمد بن سليمان بعساكره إلى مدينة مصر من غير أن يمنعه عنها مانع وكان ذلك في يوم الخميس سلخ صفرالمذكور فطاف محمد بن سليمان وهوراكب بمدينة مصر ومعه محمد بن أبى وجماعة من جند المصريين من الفرسان والرجالة إلامن هرب منهم وصار كل من أخذ من المصريين ممن هرب أوقاتل ضربت عنقه وأحرقت القطائع التي كانت حول الميدان من مساكن السودان بعد أن قتل فيها منهم خلق كثير حتى صارت خرابا يبابا وزالت دولة بني طولون كأنها لم تكن وكانت مدة تغلب شيبان هذا على مصر تسعة أيام منها أربعةأيام كان فيهاأمره ونهيه ثم دخلت الأعراب الخراسانية من عساكر محمد بن سليمان الكاتب إلى مدينة مصر فكسروا جيوشها وأخرجوا من كان بها ثم هجمواعلى دور الناس فنهبوها وأخذوا أموالهم وآستباحوا حريمهم وفتكوا في الرعية وآفتضوا الأبكار وأسروا المماليك والأحرار من النساء والرجال وفعلوا في مصر ما لا يحله الله من ارتكاب المآثم ثم تعدوا إلى أرباب الدولة وأخرجوهم من دورهم وسكنوها كرها وهرب غالب أهل مصر منها وفعلوا في المصريين ما لا يفعلونه في الكفرة وأقاموا على ذلك أياما كثيرة مصرين على هذه الأفعال القبيحة ثم ضربت خيام محمد بن سليمان على حافة النيل بالموضع المعروف بالمقس ونزلت عساكره معه ومن آنضم إليه من عساكر المصريين بالعباسة ثم أمر محمد بن سليمان أن تحمل الأسارى من المصريين من الذين كان دميانة أسرهم في قدومه من دمياط على الجمال فحملوا عليها وعليهم القلانس الطوال وشهرهم وطيف بهم في عسكره من أوله إلى آخرة ثم قلد محمد بن سليمان أصحابه الأعمال بمصر فكان الذي قلده شرطة العسكر رجلا يقال له غليوس وقلد شرطة المدينة رجلا يقاد له وصيف البكتمري وقلد أباعبد الله محمد بن عبدة قضاء مصر كل ذلك في يوم الخميس لسبع خلون من شهر ربيع الأول ثم قبض أيضًا على جماعة من أهل مصر من الكتاب وغيرهم فصادرهم وغرمهم الأموال الجليلة بعد العذاب والتهديد والوعيد ثم أمسك محمد بن أبى خليفة هارون بن خمارويه على مصر أعني الذي كان توجه إليه من العباسة وصادره وأخذ منه خمسمائة ألف دينار من غير تجشيم ومحمد بن أبى هذا هوالذي قدمنا ذكره في ترجمة جيش بن خمارويه وماوقع له مع برمش وكان محمد بن سليمان هذا لايسمى باسمه ولابكنيته وماكان يدعى إلا ‏"‏ بالأستاذ ‏"‏ وكان حكمه في أهل مصر بضرب أعناقهم وبقطع أيديهم وأرجلهم جورا وتمزيق ظهورهم بالسياط وصلبهم على جذوع النخل ونحو ذلك من أصناف النكال ولا زال على ذلك حتى رحل عن مدينة مصر في يوم الخميس مستهل شهر رجب من سنة آثنتين وتسعين ومائتين وآستصحب معه الأمير شيبان بن أحمد بن طولون صاحب الترجمة وبني عمه وأولادهم وأعوانهم حتى إنه لم يدع من آل طولون أحدا والجميع في الحديد إلى العراق وهم عشرون إنسانا ثم أخرج قوادهم إلى بغداد على أقبح وجه فلم يبق بمصر منهم أحد يذكر وخلت منهم الديار وعفت منهم الاثار وحل بهم الذل بعد العز والتطريد والتشريد بعد اللذ ثم سيق جماعة من أصحاب شيبان إلى محمد بن سليمان ممن كان أمنهم فذبحوا بين يديه وزالت الدولة الطولونية وكانت من غرر المول وأيامهم من محاسن الأيام وخرب الميدان والقصور التي كانت به التي مدحتها الشعراء قال القاضي أبو عمرو عثمان النابلسي في كتاب حسن السيرة في آتخاذ الحصن بالجزيرة ‏"‏ رأيت كتابا قدر آثنتي عشرة كراسة مضمونه فهرست شعراء الميدان الذي كان لأحمدبن طولون قال فإذا كانت أسماء الشعراء في اثنتي عشرة كراسة فكم يكون شعرهم انتهى وقال آبن دحية في كتابه وخربت القطائع التي لأحمد بن طولون في الشدة العظمى زمن الخليفة المستنصر العبيدي أيام القحط والغلاء المفرط الذي كان بالديار المصرية قال وهلك من كان فيها من السكان وكانت نيفا على مائة ألف دار قلت هذا الذي ذكره آبن دحية هوالذي بقي بعد إتلاف محمد بن سليمان المذكورومما قيل في ميدان أحمد بن طولون وفي قصوره من الشعر من المراثي على سبيل الاقتصار فمما قاله إسماعيل بن أبي هاشم‏:‏ قف وقفة بفناء باب الساج والقصر في الشرفات والأبراج وربوع قوم أزعجوا عن دارهم بعد الإقامة أيما إزعاج كانوا مصابيحًا لدى ظلم الدجى يسري بها السارون في الإدلاج ومنها‏:‏ كانوا ليوثًا لا يرام حماهم في كل ملحمة وكل هياج وقال سعيد القاص‏:‏ جرى دمعه ما بين سحر إلى نحر ولم يجر حتى أسلمته يد الصبر ومنها‏:‏ وهل يستطيع الصبر من كان ذا أسى يبيت على جمر ويضحي على جمر تتابع أحداث تحيفن صبره وغمر من الأيام والدهر ذو غدر أصاب على رغم الأنوف وجدعها ذوي الذين والدنيا بقاصمة الظهر طوى زينة الدنيا ومصباح أهلها بفقد بني طولون والأنجم الزهر ومنها‏:‏ وكان أبو العباس أحمد ماجدًا جميل المحيا لا يبيت على وتر كأن ليالي الدهر كانت لحسنها وإشراقها في عصره ليلة القدر يدل على فضل ابن طولون همة محلقة بين السماكين والغفر فإن كنت تبغي شاهدا ذا عدالة يخبر عنه بالجلي من الأمر فبالجبل الغربي خطة يشكر له مسجد يغني عن المنطق الهذر الميدان آبتدأ بهدمه في أول شهر رمضان من سنة ثلاث وتسعين ومائتين وبيعت أنقاضه حتى دثر وزال مكانه كأنه لم يكن فقال فيه محمد بن طشويه‏:‏ من لم ير الهدم للميدان لم يره تبارك الله ما أعلاه وآقدره لو أن عين الذي أنشاه تبصره والحادثات تعاديه لأكبره ومنها‏:‏ وأين من كان يحميه ويحرسه من كل ليث يهاب الليث منظره صاح الزمان بمن فيه ففرقهم وحط ريب البلى فيه فدعثره ومنها‏:‏ أين ابن طولون بانيه وساكنه أماته الملك الأعلى فأقبره ما أوضح الأمر لو صحت لنا فكر طوبى لمن خصه رشد فذكره وقال أحمد بن إسحاق‏:‏ الخفيف‏:‏ وكأن الميدان ثكلى أصيبت بحبيب صباح ليلة عرس تتغشى الرياح منه محلا كان للصون في ستور الدمقس ومنها‏:‏ كل كحلاء كالغزال ونجلا - - ءرداح من بين حور ولعس آل طولون كنتم زينة الأر - - ض فأضحى الجديد اهدام لبس وقال ابن أبي هاشم‏:‏ يا منزلًا لبني طولون قد دثرا سقاك صوب الغوادي القطر والمطرا يا منزلًا صرت أجفوه وأهجره وكان يعدل عندي السمع والبصرا بالله عندك علم من أحبتنا أم هل سمعت لهم من بعدنا خبرا فتح مصر ولى عليها في الحال عيسى النوشري ولهذا لم نفتتح ترجمته بآفتتاح تراجم ملوك مصر على عادة ترتيب هذا الكتاب ومن الناس من عدة من جملة أمراء مصر بواسطة تحكمه وتصرفه في الديار المصرية‏.‏